الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بعد خطاب السبسي حول المرأة: رافضون وقابلون.. فهل يمرّ القانون؟

نشر في  16 أوت 2017  (11:42)

لا يزال فحوى خطاب رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة وذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية في تونس يثير جدلا كبيرا صلب الرأي العام التونسي لما تضمّنه من دعوة صريحة الى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة وتغيير المنشور عدد 73 القاضي بمنع زواج التونسية بغير المسلم..
ورغم تشديد السبسي على ضرورة مراعاة دستور الدولة المدني والدين الإسلامي للتونسيين، وعدم القيام بإصلاحات تصدم مشاعر الشعب التونسي إلاّ أنّ مواقف التونسيين قد انقسمت وتباينت من بين مناصر لمبدأ المساواة المطلقة بين جميع المواطنين في الحقوق والحريات وإلغاء ما اعتبره البعض منشور «العار» في توصيف للمنشور عدد 73، ومن بين مستنكر بشدّة ومناهض لهذه المسائل معتبرين أنّ الشرع والدين قد حسمها وأنّ كلام الله لا يحتمل أي تأويل أو تغيير..
أخبار الجمهورية ارتأت في هذا الإطار رصد أبرز المواقف والآراء السياسية والقانونية والدينية فكان ما يلي..

الصحبي بن فرج.. حذار من معارك «سياسية هوياتية» بين أبطال الحداثة وأعداء الحرية !

أكّد الصحبي بن فرج القيادي والنائب عن كتلة الحرة مساندته المطلقة لمسألتي المساواة في الميراث وإلغاء الفصل 73، وذلك من منطلق مدني إنساني مسنود بقراءة دينية لا تتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف معتبرا انّ هذا رأيه الشخصي الذي لا يخضع لاي نقاش فقهي..
وحذّر بن فرج في المقابل من الانزلاق في معركة قديمة/متجددة بمجرد الضغط المبرمج على زرّ معركة الحداثة مقابل الرجعية، مع ما سيتبعها حتما من معارك سياسية هوياتية بين أبطال الحداثة وأعداء الحرية على حد قوله..
وشدّد في منشور له أن الأولوية المطلقة هي للحرب على الفساد بأنواعه (المالي والسياسي) والتنمية وإنقاذ الاقتصاد من الإفلاس، والاّ فإننا سنورّثُ أبناءنا والأجيال المقبلة المساواة التامة في الديون والفقر والخراب على حدّ تعبيره..

ألفة يوسف.. سيذكر التاريخ قول رئيس الجمهورية في انتظار التنفيذ الفعلي

بدورها نشرت الجامعية والمفكرة ألفة يوسف منشورا على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي أعربت من خلاله على مساندتها لما جاء في خطاب رئيس الدولة عبر 5 نقاط على اعتبار اجتهادها في قراءة النص الديني، حيث أفادت في النقطة الاولى أنّ الاجتهاد في مسألة المساواة في الإرث عمل فكريّ روحانيّ نفسيّ لكنّه لا يصلح منطلقا نهائيّا للتّشريع لأنّ كلّ اجتهاد له اجتهاد ممكن يقابله ويناقضه. ولكم في دعوة البعض إلى تعدّد الزّوجات مثال.
كما اعتبرت في النقطة الثانية أنّ التّلفيق الذي يقوم عليه التشريع التونسي وكثير من تشريعات البلدان الأخرى بين القانون والتّشريع الدّينيّ هو أساس الانفصام النفسي في المجتمع وسبب من أسباب التّخلّف. إمّا أن تكون مواطنا يحكمك القانون أو أن تكون رعيّة بمنطق ديار الإسلام وديار الكفر.
والجمع بينهما هو الّذي يؤدّي إلى مشاكل من نوع مضايقة المفطرين في رمضان أو شاربي الخمر إلخ...أنا أدفع ضرائبي إذن أنا مواطن لا يعنيك ديني وإنّما القانون الذي يجمعنا.
واعتبرت ألفة يوسف في صياغتها للنقطة الثالثة أنه ورغم اختلافها الكبير مع السبسي وعدم ثقتها به لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين الا انها تعتبر إشارته إلى المساواة في الإرث ذات رمزية هامّة سيذكرها التاريخ قولا في انتظار من سينفّذها فعلا.
ولا إشكال لمن يرون الأمور بشكل مختلف، فالقانون يمكن أن يقرّ المساواة مبدأ ومن أراد كتابة وصيّة في تمثّل مختلف فله ذاك. وهكذا لا ينزعج من يتصورون أن دخول الجنة متصل باللامساواة بين ابنهم وابنتهم.
وأفادت رابعا أنّ من أراد تطبيق الشّريعة كما هي في قراءتها الشّكليّة المبااشرة، لا يقتصر على الإرث وإنّما يقطع يد السارق ويسبي النّساء ويقطع رأس الكفّار، وهو ما فعلته داعش بما هي دولة إسلاميّة في قراءة حرفيّة للدّين.
وخامسا توجهت المفكرة برسالة مطلقة جاء فيها ما يلي «لا يهمني ما دينك ولا كيفية قراءتك لدينك. فالإسلام كما البوذية كما المسيحية، كما اللاتديّن يختلف وفق الأفراد. لذلك أنا أحترمك أخلاقيا كإنسان وقانونيّا كمواطن»...

زياد الهاني: خطاب رئيس الجمهورية  تضمّن قرارا ثوريا وشجاعا

من جهته علق الصحفي زياد الهاني على إعلان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وقال في تدوينة على صفحته الرسمية «الفايسبوك» ان دعوة الرئيس الباجي قائد السبسي لإيجاد صيغة قانونية تتماشى مع الشريعة الإسلامية وتمكن الأنثى من التساوي في الإرث مع الذكر، تعتبر قرارا ثوريا شجاعا يرتقي إلى شجاعة الإمام مالك الذي أدخل مبدأ الوصية الواجبة في حدود الثلث من الميراث، لتوريث أبناء وبنات الإبن أو البنت اللذين يتوفاهما اللّه قبل الجد أو الجدة..
وكتب الهاني «الظروف الاقتصادية والاجتماعية تغيرت، وواجب التجديد الديني في إطار الثوابت الشرعية حتمي حتى يكون الإسلام بالفعل صالحا لكل مكان وزمان. ويكون التمكين القانوني للمرأة من حقها المعاصر في المساواة في الإرث مع الرجل، إنجازا يحسب للإسلام كدين عدل ومساواة».

ماذا يقول القانون الدستوري في المساواة في الإرث؟

وحول موقف القانون الدستوري لما دعا إليه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي حول المساواة في الإرث، كان لأخبار الجمهورية اتصال بسلسبيل القليبي الأستاذة في القانون الدستوري التي ثمّنت ما جاء في خطاب رئيس الدولة الذي تضمّن مسائل كانت منتظرة منذ صدور الدستور الجديد، معتبرة أن ما تطرّق له كان إقرارا بضرورة تفعيل الفصل21 من الدستور التونسي الذي نصّ على المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات أمام القانون دون تمييز..
وقالت القليبي انه وبمقتضى الدستور وفي إطار الصلاحيات الموكولة له من الطبيعي أن يقوم رئيس الجمهورية بمبادرة تشريعية ويصرّح بأنّ له النية بتقديم مقترحات قوانين تنقح من النصوص القانونية المخالفة لروح الدستور والتي فيها حيف وتمييز ضد المرأة لما يخالفه مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات..
وأضافت محدّثتنا انه ومن بين النقاط الايجابية التي وردت في خطاب رئيس الجمهورية هو إعلانه عن إحداث لجنة الحريات الفردية والمساواة تتولّى إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريّات الفردية والمساواة إستنادًا إلى مقتضيات دستور 27 جانفي 2014، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريّات والمساواة.
كما تعمل على رصد وتدقيق للنصوص القانونية التي تمسّ من مبدأ المساواة الفعلية بين جميع المواطنين وعلى إعداد مشاريع تقدم أمام البرلمان للتصويت عنها..
وحول الدعوة إلى تغيير المنشور 73 المتعلق بمنع زواج التونسية بغير المسلم، شدّدت أستاذة القانون الدستوري على أنّ هذا المنشور غير شرعي وغير دستوري وهو مخالف حتى لدستور 1959 مستنكرة تنظيم الحياة الزوجية بهذا المنشور الذي كان لا بد أن يتم سحبه منذ زمن..

الشيخ فريد الباجي: القانون لن يمر !

من جهته أعلن الشيخ فريد الباجي مؤسس ورئيس جمعية دار الحديث الزيتونيّة والقيادي في حركة نداء تونس عن معارضته لما جاء في خطاب رئيس الجمهورية في ما يتعلّق بموضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، معتبرا أنّ الشرع واضح وصريح والآيات القرآنية المتعلقة بهذا الجانب لا يمكن تأويلها..
وفي رده عن سؤال يتعلق برأيه في تغيير حكم الإرث، أجاب الشيخ فريد الباجي أنّ طرح هذا النوع من الاسئلة من قبيل الخطأ معتبرا أنّ القطعيات القرآنية لا يسأل فيها عن رأي أحد حيث أنّه يجب أن نسلم تسليما للنص القطعي للقرآن على حد تعبيره..
هذا كما اعتبر فريد الباجي أنّ المساواة في الإرث في تونس لن تمر وأنّ موقف رئيس الجمهورية لا يلزم الدولة ولا الشعب ولا الدين، مشددا على ضرورة العمل على تعديل الكفة وتصحيح الانزلاقات وفق ما جاء في منشوراته التي دوّنها على صفحته الرسمية ردّا على تساؤلات بعض المواطنين على ما جاء في خطاب الباجي قائد السبسي..

موقف مفتي الجمهورية

وعن موقف مفتي الجمهورية عثمان بطيخ من مسألة المساواة في الميراث نذكّر بأنّه كان في تصريحات إعلامية «سابقة» متطابقة قد صرّح بأن المسألة محسومة في العالم الإسلامي ويجب في هذا احترام الشريعة لان الله تعالى حسم في قسمة الميراث تفاديا لما قد يحصل من خلافات وإشكاليات، مذكّرا في الإطار ذاته بالآيات القرآنية القطعية التي حسمت المسألة والتي تقول « يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيماً».
من جهة أخرى وخلافا للتصريحات الاعلامية السابقة لمفتي الجمهورية أصدر ديوان الإفتاء بخصوص ما جاء في خطاب رئيس الجمهورية بيانا تحت عنوان «هنيئا للمرأة التونسية في عيدها»  وجاء فيه : «ان الاستاذ الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية أستاذ بحق لكل التونسيين وغير التونسيين وهو الاب لنا جميعا بما أوتي من تجربة سياسية كبيرة وذكاء وبعد نظر...وفي كل مناسبة وطنية او خطاب الا ويشد الانتباه لانه معروف عنه أنه يخاطب الشعب من القلب والعقل ولذلك يصل كلامه إلى قلوبنا جميعا وفي خطابه الاخير بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية كان كالعادة رائعا في أسلوبه المتين وكانت مقترحاته التي أعلن عنها تدعيما لمكانة المرأة وضمانا وتفعيلا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف في قوله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» فضلا عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية التي تعمل على ازالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين فكانت بلادنا رائدة في مجال التقدم والحداثة والمرأة التونسية هي نموذج المرأة العصرية التي تعتز بمكانتها وبما حققته من انجازات لفائدتها وفائدة اسرتها ومجتمعها من اجل حياة مستقرة ومزدهرة.

عـــلــي غربـــال... حـتّـى الرئـيـــس بورقيبـــة لم يطرح هـــذه الـمسائــــل «القطعيـة»

بدوره أعرب الإمام الخطيب علي غربال استنكاره المطلق للمناداة بتطبيق المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة وإلغاء المنشور عدد 73 الذي يمنع زواج التونسية من غير المسلم، معتبرا أنّ موقف الشرع واضح في هذه المسائل ولا يقبل التأويل ولا التغيير حيث أنّ هنالك نصوصا قرآنية صريحة وقطعية تنظّم هذه المسائل ولا يمكن المساس بها..
وقال محدّثنا إنّ مسألة المساواة في الميراث منافية لروح الإسلام والآيات القرآنية وهو ما دفع بالرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة إلى عدم طرحها حيث قال «إن هذه المسألة تتعلّق بها آية»، مستنكرا عدم قيام رئيس الجمهورية الحالي باستشارة مفتي الجمهورية في المسألتين المذكورتين..
واعتبر انّ المسلمة التي ترضى لنفسها أن ترتبط بغير مسلم ليست بحاجة إلى قانون، والقانون لن يضيف لها شيئا، لأنه سواء كان القانون الوضعي يبيح ذلك أو يمنعه فإن الشرع لا يقره بل لا يعتبره أصلا، كأن لم يكن، وتكون معاشرتها له زنا محرما مهما دامت..
على صعيد متصّل صاغ الإمام تساؤلا وجّهه الى رئيس الجمهورية قال فيه «ماذا فعلتم للمعينات المنزليات اللائي يأتي بهن سماسرة البشر من جبال المناطق المحرومة وبعضهن لم تبلغ التاسعة من عمرها للعمل في البيوت وتحمل المعاملة القاسية من بعض النساء اللائي يدعين الحداثة والتطور؟ فأي الفريقين أحق بأن تنظر له بعين الرحمة وأي الفريقين أحق بأن تسن له قانونا يحميه يا سيادة الرئيس؟»..
وختم الإمام الخطيب مداخلته قائلا:«الله عزّ وجلّ هو خالقنا ومالكنا واعلم بمصلحتنا ولا شكّ بأن كل ما أمر به هو لمصلحتنا وبه حكمة، وعلى اعتبار أننا مسلمون فيجب أن نؤمن بكل النصوص القطعية التي لا تقبل تأويلا ولا تغييرا..»

ملف من إعداد منارة تليجاني